عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلافٍ ، وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلاثَةَ آلافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ ، فَقِيلَ لَهُ : هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ ؟ قَالَ : إنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبُوهُ ، يَقُولُ : هُوَ لَيْسَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ .
أخرجه : البخاري - كتاب (66) فضائل الصحابة - باب (74)هجرة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إلى المدينة ( رقم 3700 ) .
قلت :
ميزان وأي ميزان يضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ترتيب الاستحقاقات وإيصالها لأصحابها ، بتجرد تام ، ونصيحة خالصة لله ، ولرسوله ، وللمؤمنين ، دون أي ميل لقرابة.
حتى وإن كان الاستحقاق لولده ، وفلذة كبده.
حتي وإن كان ميزان ترتيب الاستحقاقات يجهله الناس .
فلا يعفيه ذلك من مسئولية معرفته به ، ووضوحه لديه .
فلم يستغل ذلك لمنفعة مادية محدودة تعود عليه ، أوعلى ولده ، لعلمه بأن المنافع إذا تصادمت مع موازين الحق ، والعدل ، والإنصاف ، انقلبت إلى مفاسد دنيوية ، وأخروية ، وعلي رأس هذه المفاسد :
- تراجع قيمة العدل ، التي هي أساس الملك في دنيا الناس.
- صعود قيم الحرص ، والأنانية .
والحديث أيضا :
- يوقف كل إمام ، وحاكم عند مسئوليتة - وخاصة في بناء الوعي- تجاه أمته ، ورعيته .
- وكذلك حق معرفة أفراد الرعية ، بما لهم ، وما عليهم ، من خلال إطلاعهم المستمر علي القواعد التي تسير عليها قرارات الحكم ، والإدارة ، بشأن موارد الدولة ، ومصروفاتها ، بمنتهي الوضوح والشفافية ، حتي يتمكن كل أفراد المجتمع ، والرعية ، من محاسبة المخالف ، وان كان أمير المؤمنين نفسه.
فالصحابة - رضوان الله عليهم- حاسبوا عمر - رضي الله عنه- لأنه :
أولا - تقرر مسبقا في نفوسهم ، أن عبدالله ابن عمر - رضي الله عنهما - من المهاجرين ، وبالتالي فهو يستحق - مثلهم تماما – كامل ما قررته الإدارة من عطاء .
ثانيا - لم يدركوا ما أدركه عمر - رضي الله عنه- من أن المثلية التامة في الهجرة منتفية عن ابنه .
حيث إن الحامل المساعد للهجرة ، عند عبدالله ابن عمر- رضي الله عنهما – هو : أبوه .
وفي ذلك نوع مساعدة له ، لم تتوفر لبقية المهاجرين ، الذين هاجروا بأنفسهم - وليس بآبائهم - .
فاستدعى ذلك تشريعا إداريا منصفا ، يقلل من عطاء ابن عمر رضى الله عنهما .
ومن ناحية أخرى :
إذا أخذنا هذا الميزان باعتباره كشافا لواقعنا المعاصر ،
لرأينا بوضوح تام -لا لبس فيه ولا غموض- أن ما نحن فيه اليوم ، من التطبيق الإداري ، للاستحقاقات الوظيفية ، والمالية ، على العكس ، والنقيض تماما ، مما سبقت الإشارة إليه فى الحديث الشريف .
فلا الحاكم ، يريد توعية الشعب بكامل حقوقه .
ولا أكثرية الشعب – نتيجة قهره – يطالب بمحاسبة الحاكم .
ولا العلماء – إلا القليل – يقومون بإخلاص وجد في بناء وعي صحيح للأمة ، تعلوا فيه راية قيم الحق ، والحرية ، والعدالة ، على قيم المنفعة اللحظية، والأنانية الموحشة ، والبطش الظالم .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
كتبه
د . محمد سعد قاسم
