الأحد، 16 مارس 2014

ميزان الإستحقاق الوظيفي


عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلافٍ ، وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلاثَةَ آلافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ ، فَقِيلَ لَهُ : هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ ؟ قَالَ : إنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبُوهُ ، يَقُولُ : هُوَ لَيْسَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ .
أخرجه : البخاري - كتاب (66) فضائل الصحابة - باب (74)هجرة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إلى المدينة ( رقم 3700 ) .

قلت :
ميزان وأي ميزان يضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ترتيب الاستحقاقات وإيصالها لأصحابها ، بتجرد تام ، ونصيحة خالصة لله ، ولرسوله ، وللمؤمنين ، دون أي ميل لقرابة.
حتى وإن كان الاستحقاق لولده ، وفلذة كبده.
حتي وإن كان ميزان ترتيب الاستحقاقات يجهله الناس .
فلا يعفيه ذلك من مسئولية معرفته به ، ووضوحه لديه .
فلم يستغل ذلك لمنفعة مادية محدودة تعود عليه ، أوعلى ولده ، لعلمه بأن المنافع إذا تصادمت مع موازين الحق ، والعدل ، والإنصاف ، انقلبت إلى مفاسد دنيوية ، وأخروية ، وعلي رأس هذه المفاسد :
- تراجع قيمة العدل ، التي هي أساس الملك في دنيا الناس.
- صعود قيم الحرص ، والأنانية .

والحديث أيضا :
- يوقف كل إمام ، وحاكم عند مسئوليتة - وخاصة في بناء الوعي- تجاه أمته ، ورعيته .
- وكذلك حق معرفة أفراد الرعية ، بما لهم ، وما عليهم ، من خلال إطلاعهم المستمر علي القواعد التي تسير عليها قرارات الحكم ، والإدارة ، بشأن موارد الدولة ، ومصروفاتها ، بمنتهي الوضوح والشفافية ، حتي يتمكن كل أفراد المجتمع ، والرعية ، من محاسبة المخالف ، وان كان أمير المؤمنين نفسه.
فالصحابة - رضوان الله عليهم- حاسبوا عمر - رضي الله عنه- لأنه :
أولا - تقرر مسبقا في نفوسهم ، أن عبدالله ابن عمر - رضي الله عنهما - من المهاجرين ، وبالتالي فهو يستحق - مثلهم تماما – كامل ما قررته الإدارة من عطاء .
ثانيا - لم يدركوا ما أدركه عمر - رضي الله عنه- من أن المثلية التامة في الهجرة منتفية عن ابنه .
حيث إن الحامل المساعد للهجرة ، عند عبدالله ابن عمر- رضي الله عنهما – هو : أبوه .
وفي ذلك نوع مساعدة له ، لم تتوفر لبقية المهاجرين ، الذين هاجروا بأنفسهم - وليس بآبائهم - .
فاستدعى ذلك تشريعا إداريا منصفا ، يقلل من عطاء ابن عمر رضى الله عنهما .
ومن ناحية أخرى :
إذا أخذنا هذا الميزان باعتباره كشافا لواقعنا المعاصر ،
لرأينا بوضوح تام -لا لبس فيه ولا غموض- أن ما نحن فيه اليوم ، من التطبيق الإداري ، للاستحقاقات الوظيفية ، والمالية ، على العكس ، والنقيض تماما ، مما سبقت الإشارة إليه فى الحديث الشريف .
فلا الحاكم ، يريد توعية الشعب بكامل حقوقه .
ولا أكثرية الشعب – نتيجة قهره – يطالب بمحاسبة الحاكم .
ولا العلماء – إلا القليل – يقومون بإخلاص وجد في بناء وعي صحيح للأمة ، تعلوا فيه راية قيم الحق ، والحرية ، والعدالة ، على قيم المنفعة اللحظية، والأنانية الموحشة ، والبطش الظالم .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
كتبه
د . محمد سعد قاسم

الأحد، 24 نوفمبر 2013

ميزان : ( القاضي مع من يحب في الخصومة )


عن عامر الشعبي أن ابناً لشريح قال لأبيه: إن بيني وبين قوم خصومة فانظر فإن كان الحق لي خاصمت وإن يكن لي الحق لم أخاصمهم، فقص قصته عليه فقال: انطلق فخاصمهم، فانطلق إليهم فتخاصموا إليه، فقضى على ابنه، فقال له لما رجع إلى أهله: والله لو لم أتقدم إليك لم ألمك، فقال: والله يا بني لأنت أحب إلي من ملء الأرض مثلهم ولكن الله أعز علي منك، خشيت أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم ببعض حقهم.

ميزان : ( أداب فى الحوار و الجدل )


من أهم الآداب المطلوبة عند الحوار والجدل :

1- وضوح الفكرة وسمو التعبير عنها.

2- النظر إلى أحوال المجتمع الإسلامي وتقديم الأهم فالمهم. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ، لمعاذ بن جبل ، عندما أرسله إلى اليمن :

" أول ما تدعوهم إلى شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم "

3- الإلتزام بالمرجعية الصحيحة ، الثابتة الواضحة .

وفى ذلك يقول ابن عباس رضى الله عنهما :

"يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ! " وفى نفس المعنى يقول الإمام مالك رحمه الله :

" ما منا إلا راد ومردود عليه ،إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم " .

وقال : " ما كان من كلامى موافقا للكتاب والسنة فخذوا به ، وما لم يوافق فاتركوه " .

وعلى نفس المنوال ينسج الإمام الشافعي رحمه الله حيث يقول :

" أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد ".

4- أن يقدم الكلام الذى تحته عمل ولا ينشغل بحشد المعلومات التى ليس لها فى الواقع العملى نصيب.

قال تعالى : " لا خير فى كثير من نجو

ميزان : ( رؤية فى الحوار و الجدل)


يعلن فريق من الناس رأيهم فى الجدل فيذمونه ويحذرون منه ، وذلك لأسباب يذكرونها

فمنها على سبيل المثال :

1- لئلا يقع الناس فى غياهب اللجاجة والخصومات ،

لأن الجدل إذا استمر بين خصمين يؤدى إلى ضياع الحق ، وذلك بعدم الإعتراف به كبرا وغرورا .

2- الجدل يعتمد على الآراء الفلسفية المعقدة ، والأقيسة المنطقية ، وهى ليست صحيحة دائما من كل وجه ، فتتسع بذلك دائرة الخلاف بدلا من تصفيتها .

3- وجود نصوص من القرآن والسنة تذم الجدل.



كما يعلن فريق آخر رأيهم فيمدحونه ويدعون إليه ومن أسباب ذلك :

1- أن الجدل يعود إلى نزعة البيان الفطرية فى الإنسان ، وذلك لإظهار مبدأ أو نصرة حق أو تصحيح خطأ قال تعالى : " الرحمن :: علم القرآن :: خلق الإنسان :: علمه البيان "

2- قوة الحجة والبرهان فى فض الخلافات والنزاعات أسمى وأرقى من قوة السلاح ، ولا يتم ذلك إلا بالبيان ، والجدال

3- مع الإنفتاح الكبير والمذهل فى عالم التقنية والإتصالات والإعلام ، نجد انفتاحا آخر مواكبا له فى عرض المبادئ الإسلامية .

ومن المعلوم أن عرض الدين الإسلامي والدعوة إليه مبني على أسس الحوار والجدال باللتى هى أحسن ، مع النقد العلمى البناء ، واحترام عقل المخاطب .

4- مما لا شك فيه أن فتح الأبواب الواسعة ونشر مبادئ الإسلام يلقى بمسؤلية كبرى على عاتق المسلمين وخاصة رواد الدعوة فى اختيار الأساليب الصحيحة فى الحوار والجدال من أجل التفاعل الفكرى والحضارى مع العالم وإظهار الإسلام بمظهره الحقيقى الذى يقبله العقل والمنطق والشعور والاخلاق بما يحمله من أسس عقلية ونفسية وأخلاقية سامية.

5- مما لا شك فيه أن الحوار بألوانه المتعددة – البرهان ، والبيان ، والمناقشة ، والتشاور ، والمجادلة باللتى هى أحسن – هو طريق الوصول إلى الإنسان وهو وسيلة النبوة كل النبوة من لدن آدم عليه السلام .

ذلك أن النبوة : قرآن ، وبرهان ، وبيان ، وسلطان حجة ودليل ، قبل أن تكون سلطان قوة وسيف.

بل إن الجهاد بالسيف بضوابطه الشرعية شرع فى أضيق الحدود ، من أجل حماية الدعوة ، وإزالة المعوقات التى تحول دون بلوغ الحوار مبلغه .

6- أن الغاية من ذلك هى هداية الناس وإرشادهم إلى الخير مع كثرة وصعوبة التواءات النفوس أمام هذه الغاية، إذن فلابد من التعرف على آداب الجدل المحمود للوصول إلى تلك الغالية .

وإن الناظر اليوم فى حالة التفرق السائدة فى المجتمعات الإسلامية واتساع هوة الخلاف بين كثير من الطوائف الإسلامية ويرى إلى أي مدى وصلت إليه الأمة من ضعف أمام أعدائها حتى أصبح الحال على درجة من الذلة والهوان لا تخفى على أحد .

والغاية المبتغاة هى :

الوحدة الإسلامية العامة والشاملة عن طريق تفهم الأفكار وتضييق هوة الخلاف والتماس الأعذار للعاملين المخلصين .



أسأل الله عز وجل أن يصلح ذات بيننا ، ويوثق عرى الإيمان في قلوبنا .